رأس السنة | شعر

 

(1)

العاشقان

 

يحتفلان سرًّا

يتقلّبان بين عامين

بين كانونَيْن

يهديها القبلة الأولى في الأوّل

وتهديه الأخيرة في الثاني

 

يتخايل العاشقان

يرسم لها نساءً يراقبنها

وترسم له رجالًا يراقبونه

يتبادلان حبًّا بحبّ

وفسقًا بفسق

 

كان للعاشقة أن تصهلَ

لو لم تُـفْزِع سيّارة الإسعاف الحيّ

لو لم تقفز القطّة المبتلّة إلى النافذة

ولو لم تسقط الأضواء الحمراء

على وجهها المأخوذ بالعتمة

فتبخّر الواقفات حول السرير

 

المتخيّلات يَخَفْنَ الضوء

لا سيّما إن كنّ عاريات

وتأوّهات العشّاق كالأشباح

تعبر الجدران إلى الجيران

تخيف الصغار

وتدفع الكبار للتعوّذ


(2)

العراقيّ

 

شرب العجوز بعض الماء

ولأنّه ليس ماء دجلة

شرب كثيرًا من الويسكي

ولأنّها رأس السنة

شرب مزيدًا من الويسكي

 

لعن سيّارات الإسعاف

والقطط المذعورة

ومفرقعات العام الجديد

 

لعن ذاكرة الأصوات والأضواء والبلل

لعن المدن السعيدة

والمدن المحترقة

ثمّ لعن نفسه

بالَ على رأس السنة الجديدة

وعاد إلى النوم

 

(3)

الجارة

 

المرأة الباهتة

تبدو من النافذة

كقصيدةٍ في إطار

 

مَنْ تنسى أن تشتري الخضار

وتنسى أن تطعم أطفالها

وتنسى أن تغسل ثيابهم

وقفت وراء النافذة

وحلمت أن تزورها سيّارة

بأضواء مبهجة كهذه
 

(4)

النجّار

 

النجّار يألف أخبار الموت

كما يألف رائحة الصنوبر

عشر ثوانٍ تكفي سيّارة الإسعاف

لتدوس أحلامًا كثيرة

في طريقها إلى العام الجديد

 

حلم النجّار بأجره القليل

حلم العروسان بالسرير الكبير

العرس

الثوب الأبيض

والأب السعيد

 

(5)

العجوزان

 

كانت جميلة يومًا ما

فاتنة الحيّ

كانت جميلة جدًّا

 

منذ أيلول

زارته اثنتين وخمسين مرّة

قبّلته ألفًا وعشرين قبلة

تكلّما طويلًا عن أمراضهما

وأولادهما

وأمواتهما

عن أغنياتٍ قديمةٍ وحروبٍ قديمةٍ

ونكاتٍ لن تُضْحِكَ مَنْ دون الستّين

 

كانت تقول لبناتها

إنّها تأخذ الحساء للأيتام

وكانا يضحكان على يتمهما الطويل

 

(6)

غدًا

 

غدًا ستسمع عن موته من الجيران

وهي تعدّ له الحساء

وستسقط دموعها في القدر

 

غدًا ستقول ابنتها:

مالحٌ هذا الحساء

يا أمّي

 

غدًا

سيسير العاشقان كغريبين في الحيّ الفقير

سيكمل العراقيّ كتابه الأخير

ستطعم الجارة القطّة وتنسى صغارها

سيستبدل بعرسٍ عزاءً

بسريرٍ قبرًا

وبفرحٍ سرّيٍّ حزنًا سرّيًّا

 

في أحياءٍ حزينةٍ

ومنسيّةٍ كهذه

تُلْقى زجاجات البيرة

والأجنّة المجهضة

والقطط الميّتة

على جانبيّ الطريق

 

في أحياءٍ كهذه

وبلادٍ كهذه

تُوْلَد الأحلام بالصدفة

وتُجْمَع جثثها بالصدفة

 

* من مجموعة «ليست أجمل مَنْ في قريش» (2022)، الصادرة عن «خطوط وظلال للنشر والتوزيع»، بإذنٍ من المؤلّفة.

 


 

جمانة مصطفى

 

 

شاعرة فلسطينيّة من مواليد الكويت، تقيم في الأردنّ. عملت في الصحافة المكتوبة والمرئيّة وفي التنظيم الثقافيّ. مؤسّسة «مهرجان شعر في مسرح» (2007-2011) و«مهرجان خان الفنون» (2014-2016). صدرت لها خمس مجموعات شعريّة، كما نشرت في عدد من الأنطولوجيّات والدوريّات العربيّة والعالميّة. تُرْجِمَت نصوصها للغات عديدة.